فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير البنيان، واستدلوا لذلك بحديث أبي أيوب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا ". قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيب قبل الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله، وحملوا ذلك على غير البنيان، أم في البنيان: فيجوز الاستقبال والاستدبار، لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال:" رقيتُ يوماً علىبيت حفصة، فرأيت النبي صلىالله عليه وسلم يقضي حاجته مُستقبل الشام مُستدبر الكعبة ".
وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز استقبال الكعبة ولا استدبارها بكل حال، سواء في البنيان أو غيره، واستدلوا بحديث أبي أيوب المتقدم، وأجابوا عن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بأجوبة منها:
أولاً: أن حديث ابن عمر يُحمل على ما قبل النهي.
ثانياً: أن النهي يرجح، لأن النهي ناقل عن الأصل، وهو الجواز، والناقل عن الاصل ولي.
ثالثاً: أن حديث أبي أيوب قول، وحديث ابن عمر فعل، والفعل لا يمكن أن يعارض القول، لأن الفعل يحتمل الخصوصية ويحتمل النسيان، ويحتمل عذراً آخر.
والقول الراجح عندي في هذه المسألة:
أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الفضاء، ويجوز الاستدبار في البنيان دون الاستقبال، لأن النهي عن الاستقبال محفوظ ليس فيه تخصيص، والنهي عن الاستدبار مخصوص بالفعل، وأيضاً الاستدبار أهون من الاستقبال ولهذا - والله أعلم - جاء التخفيف فيه فيما إذا كان الإنسان في البنيان، والأفضل أن لا يستدبرها إن أمكن.