للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحذور الثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطاً للحكم، فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه سواء صلى أم ترك، فلو صلى شخص الصلوات الخمس وأتى بكل شروطها وأركانها وواجباتها ومستحباتها لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه كان كافراً مع أنه لم يتركها.

فتبين بذلك أن حمل النصوص على من تركها جاحداً لوجوبها غير صحيح، وأن الحق أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً من الملة، كما جاء ذلك صريحاً فيما رواه بن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: أوصانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تتركوا الصلاة عمداً، فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة " (١) . وأيضاً فإننا لو حملناه على ترك الجحود لم يكن لتخصيص الصلاة في النصوص فائدة، لأن هذا الحكم عام في الصلاة والزكاة والحج مما علم وجوبه بالضرورة من الدين، فمن ترك منها واحداً جحداً لوجوبه كفر إن كان غير معذور بجهل.

وكما أن كفر تارك الصلاة مقتضى الدليل السمعي الأثري، فهو مقتضى الدليل العقلي النظري، فكيف يكون عند الشخص إيمان مع تركه للصلاة التي هي عمود الدين، وجاء من الترغيب في فعلها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يقوم بها ويبادر إلى فعلها؟! وجاء من الوعيد على تركها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يحذر من تركها وإضاعتها، فتركها مع قيام هذا المقتضى لا يبقي إيماناً مع التارك.


(١) تقدم تخريجه ص٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>