للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له نافلة فريضة، وهذا وقع في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فإن قال قائل: لعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم به.

فالجواب على ذلك من وجهين:

الأول: أن نقول يبعد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم به، لسيما وأنه قد شكى إليه في الإطالة حين صلى بهم ذات ليلة فأطال، ثم دعاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووعظه والقصة معروفه، فيبعد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم بحال معاذ رضى الله عنه.

الوجه الثاني: إنه على فرض أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعلم بصنيع معاذ هذا، فإن الله سبحانه وتعالى قد علم به ولم ينزل وحي من الله تعالى بإنكار هذا العمل، ولهذا نقول: كل ما يجرى في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه حجة بإقرار الله له، والله سبحانه وتعالى لا يقر أحداً على باطل، وإن خفي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدليل قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ١٠٨) (١) . فلما كان هؤلاء القوم يبيتون ما لا يرضى الله عز وجل، والناس لا يعلمون به، بينه الله عز وجل ولم يقرهم عليه، فدل هذا على أن ما وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حجة، وإن لم نعلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم به فهو حجة بإقرار الله له، ولهذا استدل جابر رضى الله عنه على جواز العزل بإقرار الله له حيث قال رضى الله عنه: ((كنا نعزل والقرآن ينزل)) (٢) ، فالمهم أن فعل هذا حجة بكل تقدير، وهو يصلي نافلة وأصحابه يصلون وراءه فريضة، إذن فإذا صلى


(١) سورة النساء، الآية: ١٠٥.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب النكاح / باب حكم العزل.

<<  <  ج: ص:  >  >>