وعلى هذا يحمل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي رواه البخاري أيضاً عنه قال:«كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه» فيكون المراد به دعاءه في الخطبة، ولا يرد على هذا رفع يديه في الخطبة للاستصحاء، لأن القصة واحدة، وقد أيد صاحب الفتح (ابن حجر رحمه الله) حمل حديث أنس رضي الله عنه على أن المراد بالنفي في حديث أنس نفي الصفة لا أصل الرفع كما في [ص (٧١٥) ج (٢) الخطيب] .
وأيًّا كان الأمر فإن حديث عمارة يدل على أنه لا ترفع الأيدي في خطبة الجمعة، وإنما هي إشارة بالسبابة، وحديث أنس رضي الله عنه يدل على رفعها في الاستسقاء والاستصحاء، فيؤخذ بحديث عمارة فيما عدا الاستسقاء، والاستصحاء ليكون الخطيب عاملاً بالسنة في الرفع والإشارة بدون رفع.
ومثال ما ورد فيه عدم الرفع استلزاماً: دعاء الاستفتاح في الصلاة، والدعاء بين السجدتين، والدعاء في التشهدين، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يضع يديه على فخذيه في الجلوس، ويضع يده اليمنى على اليسرى في القيام، ولازم ذلك أن لا يكون رافعاً لهما.