العاصي عن المعصية أو موجبا، لإقلاع العاصي عن معصيته كان الهجر حينئذ جائزا، بل مطلوبا طلبا لازما، أو مرغبا فيه، حسب عظم المعصية التي هجر من أجلها، ودليل ذلك قصة كعب بن مالك وصاحبيه -رضي الله عنهم- وهم الثلاثة الذين خلفوا؛ فقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهجرهم، ونهى عن تكليمهم، فاجتنبهم الناس، حتى إن كعبا -رضي الله عنه-دخل على ابن عمه أبي قتادة -رضي الله عنه- وهو أحب الناس إليه، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، فصار بهذا الهجر من المصلحة العظيمة لهؤلاء الثلاثة من الرجوع إلى الله -عز وجل-، والتوبة النصوح والابتلاء العظيم، ولغيرهم من المسلمين ما ترجحت به مصلحة الهجر على مصلحة الوصل.
أما اليوم، فإن كثيرا من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلا مكابرة وتماديا في معصيتهم، ونفورا وتنفيرا عن أهل العلم والإيمان؛ فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم.
وعلى هذا فنقول: إن الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء، وأما إذا لم يكن فيه شفاء أو كان فيه إشفاء، وهو الهلاك فلا يستعمل.
فأحوال الهجر ثلاث:
إما أن تترجح مصلحته فيكون مطلوبا.
وإما أن تترجح مفسدته فينهى عنه بلا شك.
وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا، فالأقرب النهي عنه؛ لعموم قول النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة» .
أما الكفار المرتدون فيجب هجرهم والبعد عنهم، وأن لا يجالسوا ولا يواكلوا، إذا قام الإنسان بنصحهم ودعوتهم إلى الرجوع إلى الإسلام فأبوا،