ولا فرقَ في ذلك بين أن يكون الصيام صيام فرض بأصل الشرع كصيام رمضان، أو صيام فرض بإلزام الإنسان نفسه كما في صيام النذر، فهنا نقول: إن إهداء القرب أو ثوابها إلى الأقارب ليس من الأمور المشروعة، بل هو من الأمور الجائزة، والمشروع هو الدعاء لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". فقال:"ولد صالح يدعو له"، ولم يقل أو ولد صالح يصلي له، أو يصوم له، أو يتصدق عنه، فدلّ هذا على أن أفضل ما نحله الولد لأبيه، أو أمه بعد الموت هو الدعاء.
فإذا قال قائل: إننا لا نستطيع أن نفهم كيف يكون الشيء جائزاً وليس بمشروع؟ وكيف يمكن أن نقول: إنه جائز وليس بمشروع؟
فنقول: نعم، إنه جائز وليس بمشروع، فهو جائز لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن فيه، فإن رجلاً جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفتصدق عنها؟ قال:"نعم"، وكذلك سعد بن عبادة رضي الله عنه حيث جعل لأمه نخلة صدقة لها، فأقره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك، ولكن النبي لم يأمر أمته بهذا أمراً يكون تشريعاً لهم، بل أذن لمن استئذنه أن يفعل هذا، ونظير ذلك في أن الشيء يكون جائزاً وليس بمشروع قصة الرجل الذي بعثه