والأمثلة أكثر من هذا ولا حاجة لاستيعابها إذ المؤمن يكفيه الدليل الواحد.
والمقصود أن قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا مات الإنسان انقطع عمله" إلى آخر الحديث إنما يعني به عمل نفسه لا عمل غيره له، ولهذا قيد الصدقة بالجارية لتكون مستمرة له بعد الموت. وأما عمل غيره له فقد عرفت الأمثلة والأدلة على انتفاعه به سواء من الولد أو غيره، ولكن مع ذلك لا ينبغي للإنسان أن يكثر من إهداء العمل الصالح لغيره؛ لأن ذلك لم يكن من عادة السلف وإنما يفعله أحياناً.
وأما قول بعض المنتسبين للعلم عندكم:"إنه ما يصح الحج للميت إلا إذا كان ما قضى فرضه فهو يحج عنه" فهذا موضع خلاف بين العلماء والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يجوز أن يحج عن الميت الفرض والنفل، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال: لبيك عن شبرمة، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من شبرمة؟ " قال: أخ لي أو قريب لي، قال:"حججت عن نفسك؟ " قال: لا، قال:"حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"، قال في الفروع [ص ٥٦٢ ج ٣ ط آل ثاني] إسناده جيد احتج به أحمد في رواية صالح، قال البيهقي: إسناده صحيح، ومن العلماء من أعله بالوقف لكن الرافع له ثقة، وهو يدل بعمومه على جواز حج النفل عن الميت، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستفصل هذا الرجل عن حجه عن شبرمة هل هو نفل أو فرض؟ وهل كان شبرمة حيًّا أو ميتاً؟