الدنيا مما يلي المدينة وقريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة، وأنزل الله تلك الليلة مطرا كان على المشركين وابلا شديدا ووحلا زلقا يمنعهم من التقدم، وكان على المسلمين طَلًّا طهرهم ووطَّأ لهم الأرض وشد الرمل ومهد المنزل وثبت الأقدام.
وبنى المسلمون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريشا على تل مُشْرِف على ميدان الحرب، ثم نزل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العريش فسوى صفوف أصحابه، ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده إلى مصارع المشركين ومحلات قتلهم، يقول:" هذا مصرع فلان إن شاء الله، هذا مصرع فلان "، فما جاوز أحد منهم موضع إشارته، ثم نظر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أصحابه وإلى قريش فقال:" اللهم هذه قريش جاءت بفخرها وخيلائها وخيلها تُحَادُّك وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تُعْبَد، اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تُعْبَد "، واستنصر المسلمون ربهم واستغاثوه فاستجاب لهم:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ
عَذَابَ النَّارِ} [الأنفال: ١٢ - ١٤] .
ثم تقابل الجمعان , وحَمِيَ الوطيس واستدارت رَحَي الحرب , ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش، ومعه أبو بكر وسعد بن معاذ يحرسانه، فما زال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يناشد ربه ويستنصره ويستغيثه، فأغفى إغفاءة ثم خرج