في السنة الثامنة من الهجرة، فأنقذه الله بهذا الفتح العظيم من الشرك الأثيم، وصار بلدا إسلاميا حل فيه التوحيد عن الشرك، والإيمان عن الكفر، والإسلام عن الاستكبار، أُعْلِنَت فيه عبادة الواحد القهار، وكُسِرَت فيه أوثان الشرك فما لها بعد ذلك انجبار، وسبب هذا الفتح العظيم أنه لما تم الصلح بين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقريش في الحديبية في السنة السادسة، كان مَنْ أحب أن يدخل في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش فعل، فدخلت خُزَاعة في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وكان بين القبيلتين دماء في الجاهلية، فانتهزت بنو بكر هذه الهدنة فأغارت على خزاعة وهم آمنون، وأعانت قريش حلفاءها بني بكر بالرجال والسلاح سرا على خزاعة حلفاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدم جماعة منهم إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه بما صنعت بنو بكر وإعانة قريش لها، أما قريش فسقط في أيديهم ورأوا أنهم بفعلهم هذا نقضوا عهدهم , فأرسلوا زعيمهم
أبا سفيان إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليشد العقد ويزيد في المدة، فكلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فلم يَرُدَّ عليه، ثم كلم أبا بكر وعمر ليشفعا له إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يُفلح، ثم كلم علي بن أبي طالب فلم يفلح أيضا، فقال له: ما ترى يا أبا الحسن؟ قال: ما أرى شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فقم فأَجِرْ بين الناس، قال: أترى ذلك مُغْنِيًا عني شيئا؟ قال: لا والله , ولكن ما أجد لك غيره. ففعل أبو سفيان , ثم رجع إلى مكة فقالت له قريش: ما وراءك؟ قال: أتيت محمدا فكلمته فوالله ما رَدَّ علي شيئا , ثم أتيت ابن أبي قحافة