قوله:{إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: ٤٠] ، فهو سبحانه قوي لا يضعف وعزيز لا يذل وكل قوة وعزة تُضَادُّه فستكون ذلا وضعفا , وفي قوله:{وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج: ٤١] , تثبيت للمؤمن
عندما يستبعد النصر في نظره لبعد أسبابه عنده، فإن عواقب الأمور لله وحده يُغَيِّر سبحانه ما شاء حسب ما تقتضيه حكمته.
وفي هاتين الآيتين بيان الأوصاف التي يُسْتَحَقُّ بها النصر , وهي أوصاف يتحلى بها المؤمن بعد التمكين في الأرض، فلا يُغريه هذا التمكين بالأشَر والبطر والعلو والفساد، وإنما يزيده قوة في دين الله وتمسكا به.
* الوصف الأول:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ}[الحج: ٤١] ، والتمكين في الأرض لا يكون إلا بعد تحقيق عبادة الله وحده كما قال تعالى:{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور: ٥٥] ، فإذا قام العبد بعبادة الله مخلصا له في أقواله وأفعاله لا يريد بها إلا وجه الله والدار الآخرة , ولا يريد بها جاها ولا ثناء من الناس ولا مالا ولا شيئا من الدنيا، واستمر على هذه العبادة المخلصة في السراء والضراء والشدة والرخاء مكَّنَ الله له في الأرض , وإذن فالتمكين في الأرض يستلزم وصفا سابقا عليه وهو عبادة الله وحده لا شريك له وبعد التمكين والإخلاص يكون.