للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع: احتجاج المذنبين بالقدر

:

نحن ذكرنا أن كل شيء قد كتبه الله، وكل شيء بمشيئة الله، وكل شيء مخلوق لله، فهل هذا الإيمان يستلزم أن يكون للعاصي حجة على معصية؟ أولا؟ كما لو أمسكنا رجلا يعصي الله، فقلنا له: لم تفعل المعصية؟ فقال: هذا بقضاء الله وقدره، فهذا صحيح، لكن إذا جاء بهذه الكلمة ليحتج بها على معصية، فنقول: هذه الحجة باطلة، ولا حجة لك بالقدر على معصية الله - عز وجل -، ودليل ذلك قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} ، فلم يقرهم الله سبحانه على احتجاجهم والدليل على أنه لم يقرهم قوله: {حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} ، ولو كان لهم حجة في ذلك ما أذاقهم الله بأسا.

ولكن سيورد علينا مورد خلاف ما قررناه، سيقول قائل: ألم يقل الله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} ، فيكف تقول: إن الله أبطل حجة الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} والله - عز وجل - يقول لرسوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>