وأما تهاون بعض الناس اليوم في التوكيل برمي الجمرات، فإنه يدل على أحد أمرين: إما على نقص في العلم، أو على ضعف في الدين، وأما من كان عنده علم في شريعة الله، فإنه يتبين له أن رمي
الجمرات كغيرها من واجبات الحج، لابد أن يقوم الإنسان فيه به بنفسه، ولا يجوز أن يوكل غيره، فإن الله تعالى قال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ) . والإتمام يشمل إتمام جميع أعماله.
فإن قال قائل: إذا كان معي نساء، فإن النساء ضعيفات لا يستطعن مقاومة هذا الزحام الشديد، الذي قد يحصل به الموت أحياناً، وذلك لغشم الناس، وعدم معرفتهم بما ينبغي أن يكونوا عليه في هذه المناسك من الرفق والرحمة بإخوانهم، فإذا ذهبنا بالنساء للرمي صار عليهن مشقة، وربما يحصل عليهن ضرر.
فالجواب عن هذا: أن الزحام ليس دائماً، بل هذا الزحام يكون عند ابتداء وقت الرمي في الغالب، ثم يخف الناس شيئاً فشيئاً، فانتظر وقت خفة الناس، ولو رميت في الليل فإن الرمي في الليل جائز، ولاسيما عند هذا الزحام الشديد، ولا يجوز أن توكل النساء من يرمي عنهن من أجل الزحام، ولهذا أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا
الجمرات قبل زحمة الناس، فأمرهم أن يقتطعوا جزءاً من المبيت في مزدلفة مع أن المبيت في مزدلفة من شعائر الله، ومن المشاعر العظيمة قال الله تعالى:(فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) ومع هذا أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أدن يقتطعوا جزءاً من هذه العبادة من أجل أن يسلموا من