للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن إثباتها بالعقل فإن النعم التي تترى على العباد من كل وجه، والنقم التي تدفع عنهم في كل حين دالة على ثبوت الرحمة لله - عز وجل - ودلالتها على ذلك أبين وأجلى من دلالة التخصيص على الإرادة، لظهور ذلك للخاصة والعامة، بخلاف دلالة التخصيص على الإرادة، فإنه لا يظهر إلا لأفراد من الناس.

وأما نفيها بحجة أنها تستلزم اللين والرقة، فجوابه: أن هذه الحجة لو كانت مستقيمة لأمكن نفي الإرادة بمثلها فيقال: الإرادة ميل المريد إلى ما يرجو به حصول منفعة أو دفع مضرة وهذا يستلزم الحاجة والله تعالى منزه عن ذلك.

فإن أجيب: بأن هذه إرادة المخلوق أمكن الجواب بمثله في الرحمة بأن الرحمة المستلزمة للنقص هي رحمة المخلوق.

وبها تبين بطلان مذهب أهل التعطيل سواء كان تعطيلا عاما أم خاصّا.

وبه علم أن طريق الأشاعرة والماتريدية في أسماء الله وصفاته وما احتجوا به؛ لذلك لا تندفع به شبه المعتزلة والجهمية وذلك من وجهين:

أحدهما: أنه طريق مبتدع لم يكن عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا سلف الأمة وأئمتها، والبدعة لا تدفع بالبدعة وإنما تدفع بالسنة.

الثاني: أن المعتزلة والجهمية يمكنهم أن يحتجوا لما نفوه على الأشاعرة والماتريدية بمثل ما احتج به الأشاعرة والماتريدية لما نفوه على أهل السنة، فيقولون: لقد أبحتم لأنفسكم نفي ما نفيتم من الصفات بما زعمتموه دليلا عقليّا وأولتم دليله السمعي، فلماذا تحرمون علينا نفي ما نفيناه بما نراه دليلا عقليّا، ونؤول دليله السمعي، فلنا عقول كما أن لكم عقولا، فإن كانت عقولنا خاطئة، فكيف كانت عقولكم صائبة، وإن كانت عقولكم صائبة فكيف

<<  <  ج: ص:  >  >>