رابعا: هذه المعية لا تقتضي أن يكون الله تعالى مختلطا بالخلق أو حالا في أمكنتهم ولا تدل على ذلك بوجه من الوجوه؛ لأن هذا معنى باطل مستحيل على الله عز وجل ولا يمكن أن يكون معنى كلام الله ورسوله شيئا مستحيلا باطلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية ص ١١٥ ط ثالثة من شرح محمد خليل الهراس: وليس معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغةِ، بل القمر آية من آيات الله تعالى من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان. ا. هـ.
ولم يذهب إلى هذا المعنى الباطل إلا الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم الذين قالوا: إن الله بذاته في كل مكان. تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرا. وكبرت كلمة تخرج من أفواهم، إن يقولون إلا كذبا.
وقد أنكر قولهم هذا من أدركه من السلف والأئمة، لما يلزم عليه من اللوازم الباطلة المتضمنة لوصفه تعالى بالنقائص وإنكار علوه على خلقه.
وكيف يمكن أن يقول قائل: إن الله تعالى بذاته في كل مكان أو إنه مختلط بالخلق وهو سبحانه قد " {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} "؟
خامسا: هذه المعية لا تناقض ما ثبت لله تعالى من علوه على خلقه، واستوائه على عرشه، فإن الله تعالى قد ثبت له العلو المطلق: علو الذات وعلو الصفة، قال الله تعالى:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} . . وقال تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} . . وقال تعالى:{وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . .