وأخرجه البخاري (٧١٦٦) و (٧٣٠٤)، ومسلم (١٤٩٢)، وابن ماجه (٢٠٦٦)، والنسائي في "الكبرى" (٥٦٣٢) من طرق عن الزهري، به. وهو في "مسند أحمد" (٢٢٨٥١)، و "صحيح ابن حبان" (٤٢٨٤). وانظر ما سيأتي بالأرقام (٢٢٤٦ - ٢٢٥٢). قال الخطابي: قوله: "كره رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - المسائل وعابها" يريد به المسألة عما لا حاجة بالسائل إليها دون ما به إليه حاجة، وذلك أن عاصماً إنما كان يسأل لغيره لا لنفسه، فأظهر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - الكراهة في ذلك إيثاراً لستر العورات وكراهةً لهتك الحرمات. وقد وجدنا المسألة في كتاب الله عز وجل على وجهين: أحدهما: ما كان على وجه التبين والتعلم فيما يلزم الحاجة إليه من أمر الدين. والآخر: ما كان على طريق التكلف والتعنت، فأباح النوع الأول وأمر به وأجاب عنه فقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] وقال: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: ٩٤] وقال في قصة موسى والخضر: {فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: ٧٠] وقال: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: ١٨٧] فأوجب على من يُسأل عن علم أن يجيب عنه وأن يبين ولا يكتم، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار" وقال عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] وقال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: ٢٢٢] وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: ١] وقال في النوع الآخر: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥]: وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤)} [النازعات:٤٢ - ٤٤] وعاب مسألة بني إسرائيل في قصة البقرة لما كان على سبيل التكلف لما لا حاجة بهم إليه، وقد كانت الغُنية وقعت بالبيان المتقدم فيها، وكل ما كان من المسائل على هذا الوجه فهو مكروه، فإذا وقع السكوت عن جوابه فإنما هو زجر ورع للسائل، وإذا وقع الجواب فهو عقوبة وتغليظ.=