وقال القاضى عياض: المشهور أن هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهوده لرعيته أو لمقاتلته أو للإمامة التي تقلدها، والتزم القيام بها، فمتى خانَ فيها أو ترك الرفق، فقد غدر بعهده. وقيل: المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام، فلا تخرج عليه، ولا تتعرض لمعصيته، لما يترتب على ذلك من الفتنة. قال: والصحيح الأول. قلت (القائل ابن حجر): ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك. (١) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات، عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف يعتبر به في المتابعات، وقد توبع. أبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز. وأخرجه البخاري (٢٩٥٧)، والنسائي (٤١٩٦) من طريق شعيب بن أبي حمزة، ومسلم (١٨٤١) من طريق ورقاء بن عمر اليشكري، كلاهما عن أبي الزناد، به. وهو في "مسند أحمد" (١٠٧٧٧). قال الخطابي: معناه أن الإمام (رئيس الدولة) هو الذي يَعقِد العهدَ والهُدنة بينَ المسلمين، وبين أهلِ الشرك، فإذا رأى ذلك صلاحاً وهادنهم، فقد وجب على المسلمن أن يُجيزوا أمانَه، وأن لا يعرِضوا لمن عقد لهم في نفسِ أو مال. ومعنى جُنّة: العصمة والوقاية، وليس لغير الإمام أن يجعل للأمة بأسرها من الكفار أماناً، وإنما معنى قوله -صلَّى الله عليه وسلم-: "يسعى بذمتهم أدناهم" أن يكون ذلك في الأفراد والآحاد، أو في أهل حصن أو قلعة ونحوها. فأما أن يجوز ذلك في جيل وأمة منهم، فلا يجوز.