ومنها: ما رواه أبو داود أيضا عن عَبد الله بن عُبيد، عن رجل من أهل الشام: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: "ولدُ الملاعنة عصبته عصبة أمه" ذكره في "المراسيل" ص ٢٦٥ وفي لفظ له عن عبد الله بن عُبيد بن عمير قال: كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة، لمن قضى به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -؟ فكتب إليّ: إني سألتُ، فأُخبرتُ: أنه قضى به لأمه، وهي بمنزلة أبيه وأمه. وهذه آثار يشد بعضها بعضاً. وقد قال الشافعي: إن المرسل إذا روي من وجهين مختلفين أو روي مسنداً، أو اعتضد بعمل بعض الصحابة، فهو حُجة، وهذا قد روي من وجوه متعددة، وعمل به من ذكرنا من الصحابة، والقياس معه، فإنها لو كانت معتقة كان عصبتها من الولاء عصبة لولدها، ولا يكون عصبتها من النسب عصبة له. ومعلوم أن تعصيب الولاء الثابت لغير المباشر بالعتق فرع عن ثبوت تعصيب النسب، فكيف يثبت الفرع مع انتفاء أصله؟ وأيضاً فإن الولاء في الأصل لموالى الأب، فإذا انقطع من جهتهم رجع إلى موالي الأم، فإذا عاد من جهة الأب، انتقل من موالي الأم إلى موالي الأب، وهكذا النسب: هو في الأصل للأب وعصباته، فإذا انقطع من جهة باللعان عاد إلى الأم وعصباتها، فإذا عاد إلى الأب باعترافه بالولد وإكذابه نفسه رجع النسب إليه، كالولاء سواء، بل النسب هو الأصل في ذلك والولاء ملحق به. قال: وإذا ثبت أن عصبة أمه عصبة له فهي أولى أن تكون عصبته، لأنهم فرعها، وهم إنما صاروا عصبة له بواسطتها، ومن جهتها استفادوا تعصيبهم، فلأن تكون هي نفسها عصبة أولى وأحرى. وانظر "المغني" لابن قدامة ٩/ ١١٦ - ١١٨.