وفيه وجه آخر: وهو أن معنى قوله: "لا حاجة لنا فيها، وليس لنا فيها خير" أي: ليس لها رواج ولا لحاجتنا فيها نجاح، وذلك أن الذي كان تحمله عنه دنانير مضروبة، والذي جاء به تِبْر غير مضروب، وليس بحضرته من يضربه دنانير، وإنما كان تحمل إليهم الدنانير من بلاد الروم، وأول من وضع السكة في الإسلام وضرب الدنانير عبدُ الملك ابن مروان. وقد يحتمل ذلك أيضاً وجهاً آخر، وهو أن يكون إنما كرهه لما يقع فيه من الشبهة، ويدخله من الغرر عند استخراجهم إياه من المعدن، وذلك أنهم إنما استخرجوه بالعشر أو الخمس أو الثلث مما يصيبونه، وهو غرر لا يُدرى هل يصيب العامل فيه شيئاً أم لا؟ فكان ذلك بمنزلة العقد على رد الآبق والبعير الشارد، لأنه لا يُدرى أيظفر به أم لا؟ وفيه أيضاً نوع من الخطر والتغرير بالأنفس، لأن المعدن ربما انهار على من يعمل فيه، فكره من أجل ذلك معالجته واستخراج ما فيه.