والثاني: أن الإيثار بالقُرَب مكروه أو خلاف الأولى، فكان ابن عمر يمتنع من ذلك، لئلا يرتكب أحدٌ بسببه مكروهاً أو خلافَ الأولى بأن يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به. وشبه ذلك. قال أصحابنا: وإنما يُحمدُ الإيثارُ بحظوظ النفوس وأمور الدنيا دون القُرَب والله أعلم. وقد صح من حديث ابن عمر عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: "لا يُقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه " أخرجه البخاري في "صحيحه" (٦٢٦٩)، ومسلم (٢١٧٧)، والترمذي (٢٩٥٢) و (٢٩٥٣)، وهو في المسند" (٤٦٥٩)، و "صحيح ابن حبان" (٥٨٦) و (٥٨٧)، قال الإِمام النووي في "شرح مسلم" ١٤/ ١٦٠ معلقا على هذا اللفظ: استثنى أصحابنا من عموم قوله: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه، ما إذا أَلِفَ من المسجد موضعاً يُفتي فيه أو يقرئ فيه قرآناً أو غيره من العلوم الشرعية، فهو أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه، وفي معناه من سبق إلى موضع من الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة. وقد صح عن ابن عمر أنه قال: ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخلف الرجلُ الرجلَ في مجلسه، وقال: إذا رجع فهو أحق به. أخرجه أحمد في "مسنده" (٤٨٧٤). وانظر تمام تخريجه فيه.