الذي حدّثت به أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبّله، فأخرج إليه لسانه فقبّله.
قال الحافظ أبو طاهر السِّلَفي معلقاً على هذه القصة: لم يُسهِّل على سَهْل هذا الفعل، مع انقباضه عن الناس وانزوائه عنهم، ميلاً منه إلى اليأسِ، وإيثاره الخمول، وتركه الفضول، إلا لإحياء أبي داود الحديث والشرع الشريف بالبصرة، عقيب ما جرى عليها من الزُّنوج القائمين مع القرمطي وخرابها، وقتل علمائها وأعيانها ما جرى، واشتهر عند الخاص والعام من الورى، وإتيان الموفق إليه (قلنا: هو الأمير أبو أحمد طلحة بن المتوكل بن المعتصم أخي الخليفة المعتمد على الله، وكان أميراً بطلاً شجاعاً كبير الشأن ذكره الذهبي في "تاريخ دول الإسلام" وفيات ثمان وسبعين ومئتين) وسؤاله إياه التوجه في الانتقال إليها ليُرحَل إليه، ويُؤخذ عنه كتابُه في السنن وغير ذلك من علومه، وتتعمّر به كما تقدم فيما أمليناه، إذ تحقق أن مقامه بها وكونه بين أهليها يقومُ مقام كُماة أنجادٍ، وحُماة أمجاد، وقليل ما فعله سهلٌ في حقه، حين رأى الحق المستحق ... وفضائل أبي داود كثيرة ورُتبته بين أهلِ الرتب كبيرة.
وقال أبو طاهر أيضاً: وكان رحمه الله في زمانه يراجَع في الجرح والتعديل، ويدوَّن كلامه ويُعوَّل عليه غايةَ التعويل. وقال أيضاً: كان على علم بالرجال، وفي معرفة الحديث وروايته جبلاً من الجبال (١).
(١) أبو طاهر السِّلفي في مقدمته على شرح الخطابي "معالم السنن" ٤/ ٣٧٠ - ٣٧١ و٣٧٢.