وأخرجه كذلك (١٧٥٣) من طريق معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير ابن نفير، به. وانظر ما بعده، وما سيأتي برقم (٢٧٢١). قوله: يُغري، من الإغراء وتشجيع الكافرين على المسلمين، وفي النسخة التى شرح عليها الخطابي: يفريَ من الفرْي، وهو شدة النكاية في المسلمين، يقال: فلان يفري الفري إذا كان يبالغ في الأمر، وأصل الفري القطع. وقال الخطابي: وقوله: "لأعرفنَّكها" يريد لأجازينك بها حتى تعرف صنيعك. قال الفراء: العرب تقول للراجل إذا أساء إليه رجل:! لأعرفنَّ لك عن هذا" أي: لأجازينك عليه، تقول هذا لمن تتوعده: قد علمت ما علمت، وعرفت ما صنعت، ومعناه: سأجازيك عليه، لا أنك تقصد إلى أن تعرِّفه أنك قد علمت فقط، ومنه قول الله عز وجل {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم: ٣] قراءة الكسائي بالتخفيف. وقد روي ذلك عن عاصم في إحدى الروايتين، قال: ومعنى "عرف" جازى. قال الخطابي: وفي الحديث من الفقه: أن الفرس من السلب، وأن السلب ما كان قليلاً أو كثيراً فإنه للقاتل، لا يخمس، ألا ترى أنه أمر خالداً بردّه عليه مع استكثاره إياه، وإنما كان ردّه إلى خالد بعد الأمر الأول بإعطائه القاتل نوعا من التكبر على معروف، وردعاً له وزجراً، لئلا يتجرأ الناس على الأئمة، ولئلا يتسرعوا إلى الوقيعة فيهم، وكان خالد مجتهداً في صنيعه ذلك، إذا كان قد استكثر السلب، فأمضى له رسول -صلَّى الله عليه وسلم- اجتهاده، لما رأى في ذلك من المصلحة العامة، بعد أن كان خطأه في رأيه الأول، والأمر الخاص مغمور بالعام، واليسير من الضرر محتمل للكثير من النفع والصلاح. ويشبه أن يكون النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قد عوّض المدديَّ من الخمس الذي هو له، وترضّى خالداً بالصفح عنه، وتسليم الحكم له في السلب. وفيه دليل على أن نسخ الشيء قبل الفعل جائز، ألا ترى أن النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلم- أمره بإمساكه قبل أن يَردَّه، فكان في ذلك نسخ لحكمه الأول؟ و"الصفوة" مكسورة الصاد، خلاصة الشىء، وما صفا منه. إذا أثبت الهاء قلت: صفوة بكسر الصاد، وإذا حذفتها قلت: صفو بفتحها.