وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تحسين القول في هذا الحديث، ولم يعدُّوه منكراً، فقد حسَّن إسناده ابن عبد الهادي في "التنقيح" ٣/ ٣٧٢، وجوَّده ابنُ كثير في "تفسيره" عند قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} (المائدة: ٤) وصححه في "تخريج أحاديث التنبيه" ١/ ٣٦٤، وسلكوا في الجمع بين هذه الرواية وبين روايات أبي ثعلبة الأُخرى التي توافق رواية عدي بن حاتم مسالك، منها، ما قاله الخطابي ويمكن أن يوفق بين الحديثين من الروايتين بأن يجعل حديث أبي ثعلبة أصلاً في الإباحة، وأن يكون النهي في حديث عديٍّ على معنى التنزيه دون التحريم، ويحتمل أن يكون الأصل في ذلك: حديث عدي بن حاتم. ويكون النهي على التحريم الباتّ، ويكون المراد بقوله: "وإن أكل" فيْما مضى من الزمان وتقدم منه، لا في هذه الحال. قلنا: وهذا الاحتمال الثاني، وهو النسخ قال به أيضا أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (٢١٩٤٩) حيث قال: قد عارض حديثُ عدي هذا حديثَ أبي ثعلبة ناسخ لقول فيه: وإن أكل يا رسول الله؟ قال: "وإن أكل". وقال ابن القيم في "تهذيب السنن": الصواب في ذلك أنه لا تعارض بين الحديثين، على تقدير الصحة، ومحمل حديث عدي في المنع على ما إذا أكل منه حال صيده، لأنه إنما صاده لنفسه، ومحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أكل منه بعد أن صاده وقبله، ونهى عنه، ثم أقبل عليه فأكل منه، فإنه لا يحرم. لأنه أمسكه لصاحبه، وأكله منه بعد ذلك كأكله من شاة ذكاها صاحبها، أو من لحم عنده، فالفرق بين أن يصطاد ثم يعطف عليه فيأكل منه فرق واضح. وبنحو هذا الذي قاله ابن القيم قال ابن الملقن في "البدر المنير" ٩/ ٢٤٣. وقال ابن القيم: اختُلف في إباحة ما أكل منه الكلب من الصيد: فمنعه ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وطاووس والشعبي والنخعي، وعُبيد بن عمير وسعيد بن جبير وأبو بُردة وسويد بن غَفَلة وقتادة، وهو قول إسحاق وأبي حنيفة وأصحابه، وهو أصح الروايتين عن أحمد وأشهرهما وأحد قولي الشافعي. =