للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكونُه تفقه بالإمام أحمد وبغيره من الأئمة، ونقل عنهم، لا يعني أنه كان مقلداً لهم، يأخذُ بأقوالهم دونما تمحيصٍ، أو نظرٍ في أدلتهم، بل كان رحمه الله وقد اكتملت له أدواتُ الاجتهادِ يختارُ ويُفتي بما يؤديه إليه اجتهاده في فهم الكتابِ والسنة وما تفرَّغ عنهما. فإنَّ علماءَ ذلك العصر الذي عاش فيه أبو داود لم يكونوا يرضون لأنفسهم التقليد، لا حفاظُ الحديث، ولا أئمةُ الفقه.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأئمة الستة وآخرين: هل كانوا مجتهدين لم يقلدوا أحداً، أم كانوا مقلدين؟ فأجابهم بقوله: أما البخاريُّ وأبو داود فإمامانِ في الفقه مِن أهلِ الاجتهاد، وأما مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو يعلى والبزار ونحوهم، فهم على مذهبِ أهلِ الحديث، ليسوا مقلدين لواحدٍ بعينه مِن العلماء، ولا هُمْ مِن الأئمة المجتهدين على الإطلاق، بل هم لا يميلُون إلى قولِ أئمةِ الحديثِ كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبيد، وأمثالهم. ومنهم مَنْ له اختصاصٌ ببعضِ الأئمة كاختصاص أبي داود ونحوه بأحمد بن حنبل، وهم إلى مذاهب أهلِ الحجاز كمالكِ وأمثاله أميلُ منهم إلى مذاهِب أهلِ العراق، كأبي حنيفة والثوري (١).

وقال العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري: وأبو داود تفقه على فقهاء العراق، وعظم مقداره في الفقه، وهما أعني البخاري وأبا داود


(١) "مجموع الفتاوى" ٢٠/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>