وأخرجه مسلم (٩٣٢)، والترمذي (١٠٢٥)، والنسائي (١٨٥٦) من طريق عمرة بنت عبد الرحمن، أنها سمعت عائشة وذكر لها أن ابن عمر يقول ... الحديث. قال الخطابي: قد يحتملُ أن يكونَ الأمرُ في هذا على ما ذهبت إليه عائشة، لأنها قد روت أن ذلك إنما كان في شأن يهودي، والخبر المفسَّر أولى من المجمل، ثم احتجت له بالآية، وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحاً من غير أن يكون فيه خلاف الآية، وذلك أنهم كانوا يوصون أهليهم بالبكاء والنوح عليهم، وكان ذلك مشهوراً من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم كقول القائل، وهو طرفة: إذا مت فانعيني بما أنا أهلُه ... وشُقي عليَّ الجيبَ يا ابنة معبد وكقول لبيد: فقوما فقولا بالذي تعلمانه ... ولاتخمِشا وجهاً ولاتحلِقا الشعر وقولا هو المرءُ الذي لا صديقه ... أضاعَ ولا خان الأمين ولا غدر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يَبْكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر ومثل هذا كثير في أشعارهم، وإذا كان كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت حياته، وقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها". وقولها: وهَلَ ابنُ عمر، معناه: ذهب وهلُه إلى ذلك، يقال: وهل الرجل ووهم بمعنى واحد. كل ذلك بفتح الهاء، فإذا قلت: وهِل، بكسر الهاء كان معناه فزع. وفيه وجه آخر ذهب إليه بعض أهل العلم، قال: وتأويله أنه مخصوص في بعض الأموات الذين وجب عليهم بذنوب اقترفوها وجرى من قضاء الله سبحانه فيهم أن يكون عذابهم وقت البكاء عليهم، ويكون كقولهم: مطرنا بنوء كذا، أي: عند نوء كذا، كذلك قوله: "إن الميت يعذب ببكاء أهله"، أي: عند بكائهم عليه لاستحقاقه ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالاً لا سبباً، لأنا لو جعلناه سبباً لكان مخالفاً للقرآن، وهو قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء:١٥]، والله أعلم. =