وهذه الأسانيد التي تلقى من خلالها الزهري قصة أبي لبابة لا يخلو واحدٌ منها من مقال، ولهذا قال ابن عبد البر في "التمهيد" ٢٠/ ٩٠: حديث منقطع لا يتصل بوجه من الوجوه. وقال ابن حزم في "المحلى" ٨/ ١٣: كلها مراسيل. قلنا: ولكنها بانضمامها يحدث منها قوة، فيحسن الحديث، والله أعلم. وقد تابع ابن عيينة على ذكر هذه القصة بهذا اللفظ لكعب بن مالك وبهذا الإسناد محمد بن إسحاق كما سيأتي برقم (٣٣٢١) إلا أنه جعل الحديث عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن أبيه، عن جده. وابن إسحاق متكلَّم في روايته عن الزهري كما بسطه الحافظ ابن رجب في شرح "العلل" ٢/ ٤٨٣ - ٤٨٥. وكذلك ابن عيينة في روايته عن الزهري شيء كما بينه الحافظ ابن رجب. قلنا: وهذا عند الانفراد، فكيف وقد خالفهما الحفاظ من أصحاب الزهري، فرووا بهذا الإسناد قصة توبة كعب بن مالك التي ليس فيها ذكر هجران الدار ولا التقدير بالثلث. مثل يونس بن يزيد الأيلي، وعقيل بن خالد الأيلي، ومعمر بن راشد. على أنه اختُلف على محمد بن إسحاق في إسناده ومتنه كما سيأتي بيانه هناك. وقال البيهقي ١٠/ ٦٨: هو بهذا اللفظ في قصة أبي لبابة، فاما ما قال لكعب فغير مقدّر بالثلث. وقال ابن القيم في "حاشية السنن" ٩/ ١٠٩: لعل بعض الرواة وهم في نقله هذا إلى حديث كعب بن مالك في قصة توبته. وقد أشار المصنف بإثر الحديث التالي إلى ذلك بقوله: والقصة لأبي لبابة، ثم ساق بعض الأسانيد التي تؤيد ذلك معلقة. وأخرجه من طريق المصنف هنا البيهقي ١٠/ ٦٨. وأخرجه سيد بن منصور في "سننه" قسم التفسير (٩٨٨) عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك: أن أبا لبابة بن عبد المنذر، أو كعب بن مالك ... الحديث. هكذا رواه هنا مرسلاً. وفي هذا دليل آخر على عدم ضبط ابن عيينة لهذا الحديث عن الزهري، والله أعلم.