للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ومعنى قوله: "وبينهما أمور مشتبهات" أي: إنها تشتبه على بعض الناس دون بعض، وليس أنها في ذوات أنفسها مشتبهة لا بيان لها في جملة أصول الشريعة، فإن الله تعالى لم يترك شيئا يجب له فيه حكم إلا وقد جعل فيه بياناً، ونصب عليه دليلاً، ولكن البيان ضربان: بيان جلي، يعرفه عامة الناس كافة، وبيان خفي لا يعرفه إلا الخاص من العلماء الذين عُنوا بعلم الأصول فاستدركوا معاني النصوص، وعرفوا طريق القياس والاستنباط ورد الشيء إلى المثل والنظير. ودليلُ صحة ما قلناه، وأن هذه الأمور ليست في أنفسها مشتبهة: قوله: "لا يعرفها كثير من الناس" وقد عقل ببيان فحواه أن بعض الناس يعرفونها، وإن كانوا قليلي العدد، فإذا صار معلوماً عند بعضهم فليس بمشتبه في نفسه، ولكن الواجب على من اشتبه عليه أن يتوقف ويستبرىء الشكَّ، ولا يُقدم إلا على بصيرة، فإنه إن أقدم على الشيء قبل التثبت والتبيُّن لم يأمن من أن يقع في المحرم عليه، وذلك معنى الحمى، وضربه المثل به.
وقوله: "الحلالُ بينٌ والحرام بين" أصل كبير في كثير من الأمور والأحكام إذا وقعت فيها الشبهة، أو عرض فيها الشك، ومهما كان ذلك، فإن الواجبَ أن ينظرَ، فإذا كان للشيء أصل في التحريم والتحليل، فإنه يتمسك به ولا يفارقه باعتراض الشك حتى يزيلَه عنه يقينُ العلم فالمثال في الحلال الزوجة تكون للرجل والجارية تكون عنده يتسرى بها ويطؤها، فيشك هل طلق تلك، أو أعتق هذه، فهما عنده على أصل التحليل حتى يتحقق وقوع طلاق أو عتق، وكذلك الماء يكون عنده وأصله الطهارة، فيشك: هل وقعت فيه نجاسة أم لا؟ فهو على أصل الطهارة حتى يتيقن أن قد حلته نجاسة وكالرجل يتطهر للصلاة ثم لك في الحدث، فإنه يصلي ما لم يعلم الحدث يقيناً وعلى هذا المثال.
وأما الشيء إذا كان أصلُه الحظر وإنما يستباح على شرائط وعلى هيئات معلومة كالفروج لا تحل إلا بعدَ نكاح أو ملك يمين، وكالشاة لا يحِلُّ لحمها إلا بذكاة، فإنه مهما شك في وجود تلك الشرائط وحصولها يقيناً على الصفة التي جعلت علماً للتحليل كان باقياً على أصل الحظر والتحريم، وعلى هذا المثال فلو اختلطت امرأته بنساء أجنبيات أو اختلطت مذكاة بميتات ولم يميزها بعينها، وحب عليه أن يجتنبها كلها ولا يقربها، وهذان القسمان حكمهما الوجوب واللزوم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>