قال الخطابي: قوله: "مطل الغني ظلم" دلالته أنه إذا لم يكن غنياً يجد ما يقضيه لم يكن ظالماً، وإذا لم يكن ظالماً بم يجز حبسُه، لأن الحبس عقوبة، ولا عقوبة على غير ظالم. وقوله: "أُتبع" يريد: إذا أُحيل، وأصحاب الحديث يقولون: "إذا اتُّبعَ" بتشديد التاء، وهو غلط، وصوابه: "أُتْبعَ" ساكنة التاء على وزن أفعل، ومعناه: إذا أُحيل أحدكم على مليء فليحتل، يقال: تبعت الرجل بحقى أتبعتُه تباعة: إذا طالبتَه، وأنا تبيعُه، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء:٦٩]. وفيه من الفقه إثبات الحوالة، وفيه دليل على أن الحق يتحول بها إلى المحال عليه، ويسقط عن المُحيل، ولا يكون عليه للمحتال سبيل عند موت المحال عليه أو إفلاسه، وذلك لأنه قد اشترط عليه الملاءمة، والحوالة قد تصح حكماً على المليء، فكان فائدة الشرط ما قلناه، والله أعلم. وقد يستدل بهذا الحديث من يذهب إلى أن له الرجوع على المحيل إذا مات أو أفلس المُحال عليه، ويتأوله على غير وجهه الأول بأن يقول: إنما أمر بأن يتبعه إذا كان مليئاً، والمفلس غير مليء فليكن غير متبع به. قال الشيخ: والدلالة على الوجه الأول هي الصحيحة، لأنه إنما اشترط له الملاءة وقت الحوالة لا فيما بعدها لأن (إذا) كلمة شرط موفت فالحكم يتعلق بتلك الحال لا بما بعدها، والله أعلم. وقوله: "فليتبع" معناه: فليحتل، وهذا ليس على الوجوب، وإنما هو على الإذن له والإباحة فيه إن اختار ذلك وشاءه، وزعم داود أن المحال عليه إن كان مليئاً كان واجبا على الطالب أن يحوّل ما له عليه ويكره على ذلك إن أباه. وقد اختلف العلماء في عود الحق إلى ذمة الغريم إذا مات المحال عليه أو أفلس، فقال أصحاب الرأي: إذا مات ولم يترك وفاء أو أفلس حياً، فإن المحتال يرجع به على الغريم. وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور: لا يرجع. واحتجوا كلهم بهذا الحديث. وفيه قول ثالث، ذكره ابن المنذر عن بعضهم فلا أحفظه: أنه لا يرجع ما دام حياً، فإن الرجل يُوسر ويُعسر ما دام حياً، فإذا مات ولم يترك وفاء رجع به عليه.