قال الخطابي: فقد أعلمك رافع في هذا الحديث أن المنهي عنه هو المجهول منه دون المعلوم، وأنه كان من عاداتهم أن يشترطوا فيها شروطاً فاسدة وأن يستثنوا من الزرع ما على السواقي والجداول فيكون خاصاً لرب المال. والمزارعة شركة، وحصة الشريك لا تجوز أن تكون مجهولة، وقد يسلم ما على السواقي ويهلك سائر الزرع فيبقى المزارع لا شيء له، وهذا غرر وخطر. وإذا اشترط رب المال على المضارب دراهم لنفسه زيادة على حصة الربح المعلومة فسدت المضاربة، وهذا وذاك سواء، وأصل المضاربة في السنة والمزارعة والمساقاة، فكيف يجوز أن يصح الفرع ويبطل الأصل. والماذيانات: الأنهار، وهي من كلام العجم صارت دخيلاً في كلامهم. قال الشيخ: وقد ذكر زيد بن ثابت العلة والسبب الذي خرج عليه الكلام في ذلك وبين الصفة التي وقع عليها النهي، ورواه أبو داود في هذا الباب. قلنا: حديث زيد بن ثابت هو الحديث السالف برقم (٣٣٩٠). وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" من تأمل حديث رافع وجمع طرقه، واعتبر بعضها ببعض، وحمل مجملها على مفسرها ومطلقها على مقيدها، علم أن الذي نهى عنه النبي - صلَّى الله عليه وسلم - من ذلك أمر بين الفساد، وهو المزارعة الظالمة الجائرة، فإنه قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، وفي لفظ له: كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- على الماذيانات، وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، وقوله: ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، وأما بشيءٍ معلوم مضمون فلا بأس، وهذا من أبين ما في حديث رافع وأصحه، وما فيها من مجمل أو مطلق أو مختصر، فيحمل على هذا المفسر المبين المتفق عليه لفظا وحكماً. قال الليثُ بن سعد: الذي نهى عنه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- أمر إذا نظر إليه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز. وقال ابن المنذر: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك "العلل".