وقال الشافعي: منفعة الرهن للراهن، ونفقته عليه، والمرتهن لا ينتفع بشيء من الرهن، خلا الاحتفاظ به للوثيقة. وعلى هذا تأوّل قوله: "الرهن مركوب ومحلوب" يرى أنه منصرف إلى الراهن الذي هو مالك الرقبة. وقد روى نحو هذا عن الشعبي وابن سيرين. وفي قوله: "الرهن مركوب ومحلوب" دليل على أنه من أعار الرهن، أو أكراهُ من صاحبه لم يفسخ الرهن. قال الشيخ رحمه الله [يعني الخطابي]: وهذا أولى وأصح، لأن الفروع متابعة لأصولها، والاصل ملك الراهن. ألا ترى أنه لو رهنه وهو يسوى مئة، ثم زاد حتى صار يسوى مئتين، ثم رجعت قيمته إلى عشرة أن ذلك كله في ملك الراهن؟ ولم يختلفوا أن للمرتهن مطالبة الراهن بحقه مع قيام الرهن في يده، ولأنه لا يجوز للمرتهن أن يجحد المال في هذه الحال، ولو كان الرهن عبداً فمات كان على الراهن كفنه، فدل ذلك على ثبوت ملكه عليه، وإن ان ممنوعاً من إتلافه لما يتعلق به من حق المرتهن. ولو جاز للمرتهن أن يركب ويحلُب بقدر النفقة لكان ذلك معاوضة مجهول بمجهول، وذلك غير جائز. فدل على صحة تأوُّل من تأوله على الراهن. وقد روى الشافعي في هذا ما يؤكد قوله: حديثَ الأصم. قال: أخبرنا الربيع، قال: حدَّثنا الشافعي، قال: حدَّثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: "لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه" قال: ووصله ابن المسيب عن أبي هريرة من حديث ابن أبي أُنيسة. ففي هذا ما دل على صحة قول من ذهب إلى أن دَرَّه وركوبه للراهن دون المرتهن. قلنا: وكذلك هو عند الحنفية كما حكاه المرغيناني في "الهداية".