وفي قول علي رضي الله عنه عند الأربعين: حسبُك، دليل على أن أصل الحد في الخمر إنما هو أربعون، وما وراءها تعزير. وللإمام أن يزيد في العقوبة إذا أداه اجتهاده إلى ذلك، ولو كانت الثمانون حداً ما كان لأحد فيه الخيار، وإلى هذا ذهب الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه: الحد في الخمر ثمانون، ولا خيار للإمام فيه. وقوله: وكلٌّ سنةٌ، يريد: أن الأربعين سنة قد عمل بها النبي - صلَّى الله عليه وسلم - في زمانه، والثمانون سنة رآها عمر رضي الله عنه، ووافقه من الصحابة علىٌّ، فصارت سنة. وقد قال -صلَّى الله عليه وسلم-: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" [قلنا: هذا الحديث أخرجه أحمد (٢٣٢٤٥)، وابن ماجه (٩٧)، والترمذي (٣٩٩١)، وابن حبان (٦٩٠٢) وهو حديث حسن]. وقال النووي في "شرح مسلم": واختلف العلماء في قدر حد الخمر، فقال الشافعي وأبو ثور وداود وأهل الظاهر وآخرون: حده أربعون. قال الشافعي رضي الله عنه: وللإمام أن يبلغ به ثمانين وتكون الزيادةُ على الأربعين تعزيراتٍ على تسببه في إزالة عقله، وفي تعرضه للقذف والقتل وأنواع الايذاء وترك الصلاة وغير ذلك. قال: ونقل القاضي عن الجمهور من السلف والفقهاء منهم مالك وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى أنهم قالوا: حده ثمانون، واحتجوا بأنه الذي استقر عليه إجماع الصحابة، وأن فعل النبي - صلَّى الله عليه وسلم - لم يكن للتحديد، ولهذا قال في الرواية الأولى: نحو أربعين، وحجة الشافعي وموافقيه: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - إنما جلد أربعين كما صرح به في الرواية الثانية، وأما زيادة عمر فهي تعزيرات، والتعزير إلى رأي الإِمام إن شاء فعله وإن شاء تركه بحسب المصلحة في فعله وتركه فرآه عمر ففعله، ولم يره النبي - صلَّى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ولا علي فتركوه.