للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= [يعني حديث قبيصة بن ذؤيب الآتي عند المصنف بعده] وغيره، وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمتُه.
ونقل الحافظ في "الفتح" ١٢/ ٨٠ عن ابن المنذر قوله: كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكّل به، ثم نسخ بالأمر بجلده، فإن تكرر ذلك أربعاً قتل، ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة وبإجماع أهل العلم إلا من شَذَّ ممن لا يُعَدُّ خِلافُه خِلافاً.
وكذلك قال النووي في "شرح مسلم" ٥/ ٢٩٨ بأن الإجماع دَلَّ على نسخ هذا الحديث في قتل شارب الخمر، وكذلك قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" في النوع الرابع والثلاثين: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه.
قلنا: لكن ذهب آخرون إلى عدم نسخ الحديث منهم ابن حبان في "صحيحه" بإثر الحديث (٤٤٤٧) حيث حمل هذا الحديث على ما إذا استحلّ شربه ولم يقبل تحريم النبي - صلَّى الله عليه وسلم -. قلنا: لكن لو كان الأمر كذلك لم ينتظر بشارب الخمر المشحل أن يشرب ثلاث مرات؛ لأنه إن كان مستحلاً يكفر من أول مرة.
وذهب الخطابي إلى أن الأمر قد يرد بالوعيد، ولا يراد به وقوع الفعل، فإنما يقصد به الردع والتحذير، كقوله -صلَّى الله عليه وسلم-: "من قتل عبّده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه" وهو لو قتل عبده لم يُقتل به في قول عامة العلماء، وكذلك لو جدعه لم يُجدَع له بالاتفاق. ثم قال الخطابي: وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجباً، ثم نسخ لحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يُقتل، وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب ما يدل على ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" ١٢/ ٧٨ دليلاً آخر على النسخ يؤيد قول القائلين به وهو حديث عمر بن الخطاب عند البخاري (٦٧٨٠) وغيره، وفيه: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - جلد رجلاً يقال له عبد الله في الشراب فأتي به يوماً فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلم -: "لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إنه يحب الله ورسوله" قال الحافظ: فيه ما يدل على نسخ الأمر الوارد بقتل شارب الخمر إذا تكرر منه، فقد ذكر ابن عبد البر أنه أتي به أكثر من خمسين مرة.
وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" ٦/ ٢٣٨: الذي يقتضيه الدليل أن الأمر بقتله ليس حتماً، ولكنه تعزير بحسب المصلحة، فإذا أكثر الناس من الخمر، ولم ينزجروا بالحد، فرأى الإِمام أن يقتل فيه قتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>