وفيه دليل على جواز اعتبار القتل، فيقتص من القائل بمثل ما فعله، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وروي ذلك عن الشعبي وعمر بن عبد العزيز (قلنا: ونسبه الترمذي لإسحاق بن راهويه). وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا يقتص منه إلا بالسيف. وكذلك قال عطاء. قال الشيخ [يعني الخطابي]: ما يوجد في هذا الحديث بهذه اللفظة، أعني قوله: فاعترف فقتل، فيها الشفاء والبيان أن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- لم يقتل اليهودي بإيماء المدعي أو بقوله. وقد شغب بعض الناس في هذا حين وجد أكثر الروايات خالياً من هذه اللفظة، فقال: كيف يجوز أن يُقتل أحدٌ بقول المدعي وبكلامه فضلاً عن إيمائه برأسه، وأنكروا هذا الحديث وأبطلوا الحكم في اعتبار جهة المماثلة. قال الشيخ: وهذه اللفظة لو لم تكن مروية في هذه القصة لم يكن ضائراً؛ لأن من العلم الشائع المستفيض على لسان الأمة خاصهم وعامهم أنه لا يستحق مال ولا دم ألا ببينة، وقد يروى كثيرٌ من الأحاديث على الاختصار اعتماداً على أفهام السامعين والمخاطبين به. وقد احتج بعض من لا يرى اعتبار جهة المماثلة بنهي النبي - صلَّى الله عليه وسلم - عن المثلة، وهذه معارضة لا تصح، لأن النهي عن المثلة إنما هو في ابتداء العقوبة بها، فأما القصاص فلا يتعلق بالمثلة، ألا ترى أن من جدع أذناً أو فقأ عيناً من كفء له اقتُصَّ منه، ولم يكن ذلك مُثلة، وعارضوا أيضاً ينهي النبي -صلَّى الله عليه وسلم- أن يعذب أحد بعذاب الله، فقالوا: إذا أحرق رجلاً بالنار، فإنه لا يحرق بها قصاصاً ويقتل بالسيف. وهذا مثل الأول، وباب القصاص من هذا بمعزل. وانظر "فتح الباري" ١٢/ ٢٠٠ في الديات: باب إذا قتل بحجر أو بعصا. وقد قال -صلَّى الله عليه وسلم- لأسامة: "اغدُ على أُبنَى صباحاً وحرِّق" وأجاز عامة الفقهاء أن يُرمى الكفار بالنيران إذا خافوهم ولم يطيقوا دفعهم عن أنفسهم إلا بها. =