وهو في "مسند أحمد" (١٩٨١٧) و (١٩٩٩٩). وقولهم في الحديث: إنّه إنّه، كذا ضُبطت في (أ) و (ج) و (هـ)) وأصل المنذري، أي: إنه لا بأس به، كما جاء في رواية مسلم، قال النووي: إنه لا بأس به، معناه ليس هو ممن يُتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهلَ الاستقامة. وفي نسخة على هامش (ج): ايه إيه، وهو كذلك في النسخة التي اعتمدها ابن الأثير في "جامع الأصول" (١٩٥٥)، فقال: ايه: إذا قلتَ للرجل؟ إيه، بغير تنوين، فأنت تستزيده من الكلام والبذاء، إذا وصلت نوّنتَ فقلتَ: إيه، فإذا قلت: إيهاً بالنصب، فإنما تأمره بالسكوت. ونقل الحافظ في "الفتح" ١٠/ ٥٢٢ - ٥٢٣ عن القاضي عياض في شرحه على الحديث: أنه إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة؛ لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم، وأما كونه خيراً كله، ولا يأتي إلا بخير (كما في رواية البخاري)، فاشكل حمله على العموم؛ لأنه قد يصدُّ صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات، ويحمله على الاخلال ببعض الحقوق؟ والجواب: أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياءً شرعياً، بل هو عجز ومهانة، وانما يطلق عليه حياء، لمشابهته للحياء الشرعي، وهو خُلُق يبعث على ترك القبيح. قلت (القائل ابن حجر): ويحتمل أن يكون أشير إلى من كان الحياء من خلقه، أن الخير يكون فيه أغلب، فيضمحل ما لعله يقع منه مما ذكر في جنب ما يحصل له بالحياء من الخير، أو لكونه إذا صار عادة، وتخلق به صاحبه، يكون سبباً لجلب الخير إليه، فيكون منه الخير بالذات، والسبب. وقال أبو العباس القرطبي المحدث: الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان, وهو المكلف به، دون الغريزي، غير أن من كان فيه غريزة منه، فإنها تعينه على المكتسب، وقد يتطبعُ بالمكتسب حتى يصير غريزياً. قال: وكان النبي-صلى الله عليه وسلم-قد جُمع له النوعان، فكان في الغريزي أشد حياة من العذارء في خدرها، وكان في الحياء المكتسب في الذروة العليا - صلى الله عليه وسلم. انتهى.