للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع أن المخلوق متصف بذلك فإثباتهم هذه الصفات لله تعالى مع اتصاف المخلوق بها مستلزم للتشبيه على قاعدتهم.

فإن قالوا: إننا نثبت هذه الصفات لله تعالى على وجه يختص به ولا يشبه ما ثبت للمخلوق منها.

قلنا: هذا جواب حسن سديد فلماذا لا تقولون به فيما نفيتموه فتثبتونه لله على وجه يختص به ولا يشبه ما ثبت للمخلوق منه؟ !

فإن قالوا: ما أثبتناه فقد دل العقل على ثبوته فلزم إثباته.

قلنا: عن هذا ثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه لا يصح الاعتماد على العقل في هذا الباب كما سبق.

الثاني: أنه يمكن إثبات ما نفيتموه بدليل عقلي يكون في بعض المواضع أوضح من أدلتكم فيما أثبتموه.

مثال ذلك: الرحمة التي أثبتها الله تعالى لنفسه في قوله: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} . وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . فإنه يمكن إثباتها بالعقل كما دل عليها السمع.

فيقال: الإحسان إلى الخلق بما ينفعهم ويدفع عنهم الضرر يدل على الرحمة كدلالة التخصيص على الإرادة بل هو أبين وأوضح لظهوره لكل أحد.

الثالث: أن نقول: على فرض أن العقل لا يدل على ما نفيتموه فإن عدم دلالته عليه لا يستلزم انتفاءه في نفس الأمر، لأن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، إذ قد يثبت بدليل آخر. فإذا قدرنا أن الدليل العقلي لا يثبته فإن الدليل السمعي قد أثبته، وحينئذ يجب إثباته بالدليل القائم السالم عن المعارض المقاوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>