للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} . فإن هذا يقتضي أن في القرآن آيات متشابهات لا يعلم تأويلهن إلا الله؟

قلنا: الجواب أن للسلف في الوقف في هذه الآية قولين:

أحدهما: الوقف عند قوله: إلا الله وهو قول جمهور السلف والخلف وبناء عليه يكون المراد بالتأويل في قوله: وما يعلم تأويله إلا الله الحقيقة التي يؤول الكلام إليها، لا التفسير الذي هو بيان المعنى فتأويل آيات الصفات على هذا هو حقيقة تلك الصفات وكنهها وهذا من الأمور الغيبية التي لا يدركها العقل ولم يرد بها السمع فلا يعلمها إلا الله.

الثاني: الوصل فلا يقفون على قوله: {إِلَّا اللَّهُ} وهو قول جماعة من السلف والخلف، وبناء عليه يكون المراد بالتأويل في قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} . التفسير الذي هو بيان المعنى. وهذا معلوم للراسخين في العلم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: " أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله". وقال مجاهد: " عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عن تفسيرها".

وبهذا تبين أن الآية لا تدل على أن في القرآن شيئا لا يعلم معناه إلا الله تعالى، وإنما تدل على أن في القرآن شيئا لا يعلم حقيقته وكنهه إلا الله، على قراءة الوقف، وتدل على أن الراسخين في العلم يعلمون معنى المتشابه الذي يخفى على كثير من الناس على قراءة الوصل، وعلى هذا فلا تعارض ما ذكرناه من أنه ليس في القرآن شيء لا يعلم معناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>