للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التباين العظيم في الذات والصفات والأفعال، ولا يمكن أن يقع في نفوسهم كيف ينزل؟ أو كيف استوى على العرش؟ أو كيف يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة؟ أي أنهم لا يكيفون صفاته مع إيمانهم بأن لها كيفية لكنها غير معلومة لنا، وحينئذ لا يمكن أبدا أن يتصوروا الكيفية، ولا يمكن أن ينطقوا بها بألسنتهم أو يعتقدوها في قلوبهم.

يقول تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} ويقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .

ولأن الله أجل وأعظم من أن تحيط به الأفكار قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} .

وأنت متى تخيلت أي كيفية فعلى أي صورة تتخيلها؟ ! إن حاولت ذلك فإنك في الحقيقة ضال، ولا يمكن أن تصل إلى حقيقة؛ لأن هذا أمر لا يمكن الإحاطة به، وليس من شأن العبد أن يتكلم فيه أو أن يسأل عنه، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله فيما اشتهر عنه بين أهل العلم حين سأله رجل فقال: يا أبا عبد الله "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء -يعني العرق وصار ينزف عرقا- لأنه سؤال عظيم، ثم قال تلك الكلمة المشهورة: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وروي عنه أنه قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".

<<  <  ج: ص:  >  >>