ثم نقول: إن الحديث لا يدل على كل بدعة، بل قال:«من سن في الإسلام» ، وما خرج عن شريعة الرسول ليس من الإسلام بل قد قال:«من سن في الإسلام سنة حسنة» ، وبهذا نعرف أنه لا بد أن تكون هذه السنة مما أثبته الإسلام وإلا ليست سنة في الإسلام، ومن علم سبب الحديث الذي ذكرناه علم أن المراد بالسنة المبادرة بالعمل أو السبق إلى تنفيذ سنة كان أسبق الناس بها؛ لأن سبب الحديث معلوم، وهو أن جماعة جاءوا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا فقراء، فحث المسلمين على التصدق عليهم، فأتى رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها بين يديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:«من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» ، وبهذا عرفنا المراد أن من سنها ليس من شرعها، لكن من عمل بها أولا لأنه بذلك أي بعمله أولا يكون هو إماما للناس فيها، فيكون قدوة خير وحسنة، فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ولا يرد على ذلك ما ابتدع من الوسائل الموصلة إلى الأمور المشروعة، فإن هذه وإن تلجلج بها أهل البدع وقعدوا بها بدعهم فإنه لا نصيب لهم منها، إلا أن يكون الراقم على الماء له نصيب من الحروف بارزة في الماء.
أقول: إن بعض الناس يستدلون على تحسين بدعهم التي ابتدعوها في دين الله، والتي يلزم منها ما سبق ذكره، بما أحدث من الوسائل لغايات محمودة.
احتجوا على ذلك بجمع القرآن، وبتوحيده في مصحف واحد وبالتأليف، وببناء دور العلم، وغير ذلك مما هو وسائل لا غايات، فهناك فرق بين الشيء الذي يكون وسيلة إلى غاية محمودة مثبتة شرعا، لكنها لا تتحقق إلا بفعل هذه الوسيلة، فهذه الوسيلة طبعا تتجدد بتجدد الزمن، وتختلف باختلاف العصور، ها هو قوله عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}