مستقل بعمله، حتى غلا طائفة منهم فقالوا: إن الله تعالى لا يعلم بما يفعله العباد إلا بعد أن يقع منهم، وهؤلاء أيضا غلوا وتطرفوا تطرفا عظيما في إثبات قدرة العبد واختياره.
القسم الثالث: وهم الذين آمنوا فهداهم الله لما اختلف فيه من الحق، وهم أهل السنة والجماعة، سلكوا في ذلك مسلكا وسطا قائما على الدليل الشرعي وعلى الدليل العقلي، وقالوا: إن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يجريه الله تبارك وتعالى من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه، كإنزال المطر وإنبات الزرع والإحياء والإماتة والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى، وهذه بلا شك ليس لأحد فيها اختيار وليس لأحد فيها مشيئة، وإنما المشيئة فيها لله الواحد القهار.
القسم الثاني: ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها وإرادتهم؛ لأن الله تعالى جعل ذلك إليهم، قال الله تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} ، وقال تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} ، وقال تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ، والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار، فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولا اختياريا يعرف أنه مختار، ولكنه يسقط هاويا من السطح ويعرف أنه ليس مختارا لذلك، ويعرف الفرق بين الفعلين، وأن الثاني إجبار والأول اختيار، وكل إنسان يعرف ذلك.