والسعادة والكرامة، وطريق يؤدي بك إلى الهلاك والندامة والمهانة، وأنت الآن واقف بينهما ومخير ليس أمامك من يمنعك من سلوك طريق اليمين ولا من سلوك طريق الشمال، إذا شئت ذهبت إلى هذا، وإذا شئت ذهبت إلى هذا، فما بالك تسلك طريق اليمين وتقول: إنه قد قدر لي؟ ! فلو أنك أردت السفر إلى بلد ما وكان أمامك طريقان أحدهما معبد قصير آمن، والآخر غير معبد وطويل ومخوف، لوجدنا أنك تختار المعبد القصير الآمن ولا تذهب إلى الطريق الذي ليس بمعبد وليس بقصير وليس بآمن، هذا في الطريق الحسي إذن فالطريق المعنوي موازٍ له ولا يختلف عنه أبدا، ولكن النفوس والأهواء هي التي تتحكم أحيانا في العقل وتغلب على العقل، والمؤمن ينبغي أن يكون عقله غالبا على هواه، وإذا حكم عقله فالعقل بالمعنى الصحيح يعقل صاحبه عما يضره ويدخله فيما ينفعه ويسره.
بهذا تبين لنا أن الإنسان يسير في عمله الاختياري سيرا اختياريا ليس إجباريا، وأنه كما يسير لعمل دنياه سيرا اختياريا، وهو إن شاء جعل هذه السلعة أو تلك تجارته، فكذلك أيضا هو في سيره إلى الآخرة يسير سيرا اختياريا، بل إن طرق الآخرة أبين بكثير من طرق الدنيا؛ لأن الذي بين طرق الآخرة هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا بد أن تكون طرق الآخرة أكثر بيانا وأجلى وضوحا من طرق الدنيا، ومع ذلك فإن الإنسان يسير في طرق الدنيا التي ليس ضامنا لنتائجها، ولكنه يدع طرق الآخرة التي نتائجها مضمونة معلومة لأنها ثابتة بوعد الله، والله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد.
بعد هذا نقول: إن أهل السنة والجماعة قرروا هذا وجعلوه عقيدتهم ومذهبهم: أن الإنسان يفعل باختياره، وأنه يقول كما يريد، ولكن إرادته واختياره تابعان لإرادة الله تبارك وتعالى ومشيئته، ثم يؤمن أهل السنة