(يفسر قوله:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ} على أن الكتاب القرآن.
والصواب: أن المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ، وأما القرآن فإن الله تعالى وصفه بأبلغ من النفي وهو قوله:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} . ولعل قائلا يقول: أين نجد أعداد الصلوات الخمس في القرآن؟ وعدد كل صلاة في القرآن؟ وكيف يستقيم أننا لا نجد في القرآن بيان أعداد ركعات كل صلاة والله يقول:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ؟ . والجواب على ذلك أن الله تعالى بين لنا في كتابه أنه من الواجب علينا أن نأخذ بما قاله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما دلنا عليه {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فما بينته السنة فإن القرآن قد دل عليه؛ لأن السنة أحد قسمي الوحي الذي أنزله الله على رسوله وعلمه إياه كما قال الله تعالى:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وعلى هذا فما جاء في السنة فقد جاء في كتاب الله عز وجل.
أيها الأخوة: إذا تقرر ذلك عندكم فهل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي وقد بقي شيء من الدين المقرب إلى الله تعالى لم يبينه؟
أبدا، فالنبي عليه الصلاة والسلام بين كل الدين إما بقوله وإما بفعله وإما بإقراره ابتداء أو جوابا عن سؤال، وأحيانا يبعث الله أعرابيا من أقصى البادية ليأتي إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله عن شيء من أمور الدين لا يسأله عنه