للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا التقعيد لا يمكن أبدا أن يجد أهل البدع من قول عمر هذا منفذا لما استحسنوه من بدعهم.

وقد يقول قائل: هناك أشياء مبتدعة قبلها المسلمون وعملوا بها وهي لم تكن معروفة في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالمدارس، وتصنيف الكتب، وما أشبه ذلك وهذه البدعة استحسنها المسلمون وعملوا بها ورأوا أنها من خيار العمل، فكيف تجمع بين هذا الذي يكاد أن يكون مجمعا عليه بين المسلمين وبين قول قائد المسلمين ونبي المسلمين ورسول رب العالمين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كل بدعة ضلالة» ؟

فالجواب أن نقول: هذا في الواقع ليس ببدعة، بل هذا وسيلة إلى مشروع، والوسائل تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، ومن القواعد المقررة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فوسائل المشروع مشروعة، ووسائل غير المشروع غير مشروعة، بل وسائل المحرم حرام. والخير إذا كان وسيلة للشر كان شرا واستمع إلى الله عز وجل يقول: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (. وسب آلهة المشركين ليس عدوا بل حق وفي محله، لكن سب رب العالمين عدو وفي غير محله وعدوان وظلم، ولهذا لما كان سب آلهة المشركين المحمود سببا مفضيا إلى سب الله كان محرما ممنوعا، سقت هذا دليلا على أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فالمدارس وتصنيف العلم وتأليف الكتب وإن كان بدعة لم يوجد في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا الوجه إلا أنه ليس مقصدا بل هو وسيلة، والوسائل لها أحكام المقاصد. ولهذا لو بنى شخص مدرسة لتعليم علم محرم كان البناء حراما، ولو بنى مدرسة لتعليم علم شرعي كان البناء مشروعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>