الثانية: أن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك فإن كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغني به.
١٧٣ - وأما صيام عاشوراء فقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصومه قبل استخبار اليهود وكانت قريش تصومه.
١٧٤ - وأما الجواب عن كونه يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فمن وجوه:
١ - أحدها أنه منسوخ ومما يوضح ذلك أن كل ما جاء من التشبه بهم إنما كان في صدر الهجرة ثم نسخ، وسببه أن المخالفة لهم لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم يشرع لهم المخالفة، فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك، ومثل ذلك اليوم لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورًا بالمخالفة لهم في الهدى الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب أو يجب للرجل أن يشاركهم أحيانًا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.
١٧٧ -٢- الوجه الثاني: لو فرضنا أن ذلك لم ينسخ فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي كان له أن يوافقهم لأنه يعلم حقهم من باطلهم بما يعلمه الله تعالى أما نحن فلا يجوز لنا أن نأخذ شيئًا من الدين عنهم.
٣ - الوجه الثالث: أن نقول بموجبه: كان يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم إنه أمر بمخالفتهم وأمرنا نحن أن نتبع هديه.