لكن هؤلاء ألغوا جميع النصوص الدالة على أن خلق الله عام والتزموا أن يكون في ملكه ما لا يريد، وغلوا في النصوص والأدلة الدالة على أن فعل العبد يضاف إليه، حيث زعموا أنه لا تعلق لإرادة الله وخلقه فيما يفعله العبد من الطاعات وغيرها، وجفوا عن النصوص الدالة على عموم خلق الله.
وأولئك غلوا في النصوص الدالة على عموم خلق الله لكل شيء وجفوا عن النصوص الدالة على أن للعبد فعلا يضاف إليه ويقع باختياره.
ودين الله- تعالى- بين الغالي فيه والجافي عنه، ولذلك كان أسعد الناس به هم أهل السنة والجماعة القائلون بأن الله- تعالى- رب كل شيء ومليكه وخالقه، لا يشذ عن هذا الأصل العظيم شيء وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة قبل ظهور مجوسها القدرية النفاة، وهم مع ذلك يقولون: [إن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة تضاف إليهم ويجازون عليها بالعدل والإحسان، وهذا لا ينافي أن يكون الله خالقا لأفعالهم، فإن أفعال العباد تضاف إلى الله خلقا وتكوينا، وتضاف إليهم فعلا ومباشرة، وفرق بين مخلوق الله، وبين فعله، فأفعالهم مخلوقة بائنة عنه لا تنسب إليه على أنها فعله وهي فعل العباد الموصوفين فيها حقيقة، فهي من صفاتهم العائد حكمها إليهم، والعقلاء كلهم يعلمون أن فعل الفاعل ناشئ عن قدرته وإرادته الجازمة، لا يتخلف عنها البتة، ولا يمكن وجوده مع عدمه أو عدم إحداهما، والله- تعالى- هو الذي خلق الآدمي بما فيه من قدرة وإرادة، وخالق السبب التام خالق للمسبب، فالرب جعل إرادة العبد وقدرته سببا لإيجاد فعله بمنزلة إحراق النار لما وقع فيها مما يقبل الاحتراق. فإن إحراق النار يضاف إليها على وجه المباشرة، ويضاف إلى من أوقدها على أنه هو فاعل السبب.