و {يَبْغُونَ} : يطلبون، والإضافة في قوله:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ} تحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون المعنى: أفحكم أهل الجاهلية الذين سبقوا الرسالة يبغون، فيريدون أن يعيدوا هذه الأمة إلى طريق الجاهلية التي أحكامها معروفة، ومنها: البحائر، والسوائب، وقتل الأولاد.
ثانيهما: أن يكون المعنى: أفحكم الجهل الذي لا يبنى على العلم يبغون، سواء كانت عليه الجاهلية السابقة أم لم تكن، وهذا أعم.
والإضافة للجاهلية تقتضي التقبيح والتنفير.
وكل حكم يخالف حكم الله، فهو جهل وجهالة.
فإن كان مع العلم بالشرع؛ فهو جهالة، وإن كان مع خفاء الشرع، فهو جهل، والجهالة هي العمل بالخطأ سفها لا جهلا، قال تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}[النساء: ١٧] ، وأما من يعمل السوء بجهل فلا ذنب عليه، لكن عليه أن يتعلم.
قوله:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} . (من) : اسم استفهام بمعنى النفي، أي: لا أحد أحسن من الله حكما، وهذا النفي مشرب معنى التحدي؛ فهو أبلغ من قول:" لا أحسن من الله حكما "؛ لأنه متضمن للنفي وزيادة.
وقوله:(حكما) . تمييز؛ لأنه بعد اسم التفضيل، وهو مبهم؛ فبين هذا التمييز المبهم وميزه.
والحكم هنا يشمل الكوني والشرعي. فإن قيل: يوجد في الأحكام الكونية ما هو ضار، مثل الزلازل، والفيضانات وغيرها، فأين الحسن في ذلك؟
أجيب أن الغايات المحمودة في هذا الأمور تجعله حسنة، كما يضرب