والمحكم: الذي اتضح معناه وتبين، والمتشابه: هو الذي يخفى معناه، فلا يعلمه الناس، وهذا إذا جمع بين المحكم والمتشابه. وأما إذا ذكر المحكم مفردا دون المتشابه، فمعناه: المتقن الذي ليس فيه خلل: لا كذب في أخباره، ولا جور في أحكامه، قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}[الأنعام:١١٥] ، وقد ذكر الله الإحكام في القرآن دون المتشابه، وذلك مثل قوله تعالى:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}[سورة يونس: ١] ، وقال تعالى:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}[هود:١] .
وإذا ذكر المتشابه دون المحكم صار المعنى أنه يشبه بعضه بعضا في جودته وكماله، ويصدق بعضه بعضا، ولا يتناقض، قال تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ}[الزمر: ٢٣] . والتشابه نوعان: تشابه نسبي، وتشابه مطلق.
والفرق بينهما: أن المطلق يخفى على كل أحد، والنسبي يخفى على أحد دون أحد، وبناء على هذا التقسيم ينبني الوقف في قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عمران: ٧] ؛ فعلى الوقوف على {إِلَّا اللَّهُ} يكون المراد بالمتشابه المطلق، وعلى الوصل:{إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} يكون المراد بالمتشابه المتشابه النسبي، وللسلف قولان:
القول الأول: الوقف على {إِلَّا اللَّهُ} ، وعليه أكثر السلف، وعلى هذا؛ فالمراد بالمتشابه المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وذلك مثل كيفية وحقائق صفات الله، وحقائق ما أخبر الله به من نعيم الجنة وعذاب النار، وقال الله تعالى في نعيم الجنة:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة:١٧] ؛ أي: لا تعلم حقائق ذلك، ولذلك قال ابن عباس: " ليس في الجنة شيء مما في