قوله:(أحب إلي) . هذا من باب التفضيل الذي ليس فيه شيء من الجانبين، وهذا نادر في الكلام؛ لأن التفضيل في الأصل يكون فيه المعنى ثابتا في المفضل وفي المفضل عليه، وأحيانا في المفضل دون المفضل عليه، وأحيانا لا يوجد في الجانبين، فابن مسعود رضي الله عنه لا يحب لا هذا ولا هذا، ولكن الحلف بالله كاذبا أهون عليه من الحلف بغيره صادقا، فالحلف كاذبا محرم من وجهين:
١. أنه كذب، والكذب محرم لذاته.
٢. أن هذا الكذب قرن باليمين، واليمين تعظيم لله عز وجل، فإذا كان على كذب صار فيه شيء من تنقص لله عز وجل، حيث جعل اسمه مؤكدا لأمر كذب، ولذلك كان الحلف بالله كاذبا عند بعض أهل العلم من اليمين المغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار.
وأما الحلف بغير الله صادقا، فهو محرم من وجه واحد وهو الشرك، لكن سيئه الشرك أعظم من سيئة الكذب، وأعظم من سيئة الحلف بالله كاذبا، وأعظم من اليمين الغموس إذا قلنا: إن الحلف بالله كاذبا من اليمين الغموس؛ لأن الشرك لا يغفر، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء: ١١٦] وما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب إلا لإبطال الشرك، فهو أعظم الذنوب، قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣] ، «وسئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك» ، والشرك متضمن للكذب، فإن الذي جعل غير الله شريكا لله كاذب، بل من أكذب الكاذبين؛ لأن الله لا شريك له.