للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد نقل عن الشافعي أنه علق القول به على صحته، وقال ذلك أيضاً بعض المالكية، ومنهم من قال: إنه منسوخ بالأحاديث الدالة على عدم الفطر بالحجامة، وكلا الجوابين غير صحيح، فالحديث صحيح صححه أحمد والبخاري وابن المديني رحمهم الله والقول بنسخه يتوقف على أمرين: أحدهما: العلم بأنه سابق على فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا دليل على ذلك. الثاني: أن لا يمكن الجمع بينه وبين فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهنا يمكن الجمع بحمل احتجام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخصوصية أي أن عدم الإفطار بالحجامة خاص به، كما اختص بكثير من الأحكام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعليه فيعمل بحديث شداد بن أوس رضي الله عنه ويحمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما على الخصوصية أو أنه منسوخ، وأيضاً فالعمل بحديث شداد بن أوس أحوط، وما كان أحوط فهو أولى عند الاشتباه، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ولأن الوقوع في المشتبه إن كان الإنسان ورعاً أوجب له القلق وتشويش الفكر، وإن كان غير ورع أوجب له التهاون حتى يقع في الحرام الصريح، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام: كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه» .

ومن القواعد المقررة أن الفعل لا يعارض القول، فإذا تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع السليمة

<<  <  ج: ص:  >  >>