للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبثا، بل خلقهم لأمر عظيم، وهيَّأهم لخطب جسيم، وبيَّن لهم الصراط المستقيم، وشرع لهم الشرائع يزداد بها إيمانهم، وتكمل بها عبادتهم، فما من عبادة شرعها الله لعباده إلا لحكمة بالغة، عَلِمَها مَنْ عَلِمَها وجَهِلَها مَنْ جَهِلَها، وليس جهلنا بحكمة شيء من العبادات دليلا على أنه لا حكمة لها، بل هو دليل على عجزنا وقصورنا عن إدراك حكمة الله سبحانه {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥] .

وقد شرع الله العبادات ونظَّم المعاملات ابتلاء وامتحانا لعباده ليتبين بذلك من كان عابدا لمولاه ممن كان عابدا لهواه، فمن تقبَّل هذه الشرائع وتلك النظم بصدر منشرح ونفس مطمئنة فهو عابد لمولاه، راض بشريعته مقدِّم لطاعة ربه على هوى نفسه، ومن كان لا يقبل من العبادات، ولا يتبع من النظم إلا ما ناسب رغبته , ووافق مراده فهو عابد لهواه , ساخط لشريعة الله , معرض عن طاعة ربه، جعل هواه متبوعا لا تابعا، وأراد أن يكون شرع الله تابعا لرغبته مع قصور علمه وقلة حكمته: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: ٧١] .

ومن حكمة الله سبحانه أن جعل العبادات متنوعة ليتحمص القبول والرضا {وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: ١٤١] ، فإن من الناس من قد يرضى بنوع من العبادات ويلتزم به، ويسخط نوعا آخر ويفرِّط فيه، فجعل

<<  <  ج: ص:  >  >>