للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله من العبادات ما يتعلق بعمل البدن كالصلاة، ومنها ما يتعلق ببذل المال المحبوب إلى النفس كالزكاة، ومنها ما يتعلق بعمل البدن وبذل المال جميعا كالحج والجهاد، ومنها ما يتعلق بكف النفس عن محبوباتها ومشتَهَياتها كالصيام، فإذا قام العبد بهذه العبادات المتنوعة وأكملها على الوجه المطلوب منه دون سخط أو تفريط فتعب وعمل وبذل ما كان محبوبا إليه وكف عما تشتهيه نفسه طاعة لربه وامتثالا لأمره ورضا بشرعه كان ذلك دليلا على كمال عبوديته وتمام انقياده ومحبته لربه وتعظيمه له، فتحقَّق فيه وصف العبودية لله رب العالمين.

إذا تبين ذلك فإن للصيام حكما كثيرة استوجبت أن يكون فريضة من فرائض الإسلام وركنا من أركانه.

فمن حِكَم الصيام: أنه عبادة لله تعالى يتقرَّب العبد فيها إلى ربه بترك محبوباته ومشتَهَيَاته من طعام وشراب ونكاح، فيظهر بذلك صدق إيمانه وكمال عبوديته لله وقوة محبته له ورجائه ما عنده، فإن الإنسان لا يترك محبوبا له إلا لما هو أعظم عنده منه، ولما علم المؤمن أن رضا الله في الصيام بترك شهواته المجبول على محبتها قَدَّم رضا مولاه على هواه فتركها أشد ما يكون شوقا إليها؛ لأن لذته وراحة نفسه في ترك ذلك لله عز وجل، ولذلك كان كثير من المؤمنين لو ضُرِب أو حُبِس على أن يفطر يوما من رمضان بدون عذر لم يُفْطِر، وهذه الحكمة من أبلغ حكم الصيام وأعظمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>