للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرأيت لو أنك سافرت سفرا، وحصل لك حادث، وقال لك إنسان: لماذا تسافر، لو أنك بقيت في بيتك ما حصل لك شيء؟ فبماذا ستجيبه؟ الجواب: أنك ستقول له: هذا قضاء الله وقدره، أنا ما خرجت لأجل أن أصاب بالحادث، وإنما خرجت لمصلحة فأصبت بالحادث، كذلك آدم عليه الصلاة والسلام، هل عصى الله لأجل أن يخرجه من الجنة؟ لا فالمصيبة إذن التي حصلت له مجرد قضاء وقدر، وحينئذ يكون احتجاجه بالقدر على المصيبة الحاصلة احتجاجا صحيحا، ولهذا قال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فحج آدم موسى فحج آدم موسى» .

مثال آخر: ما تقولون في رجل أصاب ذنبا وندم على هذا الذنب وتاب منه، وجاء رجل من إخوانه يقول له: يا فلان كيف يقع منك هذا الشيء؟ فقال: هذا قضاء الله وقدره. فهل يصح احتجاجه هذا أو لا؟ نعم يصح؛ لأنه تاب فهو لم يحتج بالقدر ليمضي في معصيته، لكنه نادم ومتأسف.

ونظير ذلك أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلى فاطمة بنت محمد رضي الله عنها وصلى الله وسلم على أبيها، فوجدهما نائمين، فكأن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لامهما لماذا لم يقوما؟ فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله فإن شاء الله أمسكها، وإن شاء أرسلها، فخرج النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يضرب على فخذه وهو يقول: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} فهل الرسول قبل حجته؟ لا، لكن الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يبين أن هذا من الجدل؛ لأن الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعلم أن الأنفس بيد الله، لكن يريد أن يكون الإنسان حازما، فيحرص على أن يقوم ويصلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>